بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم أما بعد:
يقول الله تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).
فمن مقاصد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس والحفاظ على طهارتها من الفواحش والمنكرات .
التزكية هذه عنوان لكل فلاح ألم تسمع إلى قوله تعالى ( قد أفلح من تزكى )
، ولذلك من خرج عنها خسر وهلك ، بل إن أقواما وحضارات أبيدت حين غفل أهلها
عن هذا الأصل ، وانتشرت فيهم الفواحش استجابة للشيطان وللنزوة البهيمية ،
وما قوم لوط منا ببعيد .
( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ).
فقد أسرفوا ومسخوا فطرهم وأتوا بشيء لم يسمع به في التاريخ ، ولا يمارس حتى في عالم الحيوان : اللواط .
وكان السبب في ذلك السلوك القبيح :الإسراف .
لأن إطلاق العنان للشهوة وكسر حدود الفطرة والإعراض عن الشرع يورث ظمأ في
الشهوة يبعث صاحبه إلى فعل كل ما هو ممنوع وغريب ، عسى أن يشبع به غريزته
وأنى له ذلك ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ).
قال الوليد بن عبد الملك الحاكم الأموي : لولا أن الله عز وجل قص علنا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا .
ولا شك أن الأمر بدأ في قوم لوط بحادثة هنا وهنالك ، ثم تطور إلى أن صار
خلق المجتمع ، فأصبح مع كثرة متعاطيه قانونا يجب مزاولته ومن تطهر وتجنبه
فهو مجرم وجب نفيه وإخراجه .
( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليه مطرا فانظر كيف
كان عاقبة المجرمين ).
إذن فكل مجتمع تأصلت فيه الفواحش وعمت لا يستحق الحياة ، ومآله إلى الفناء بنزول العذاب .
وقد قام الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم بماأمره الله به فحذر أمته من
كل ما هو سبيل و ذريعة للفاحشة ، من مثل تحريم التبرج والعري والنظرة
الحرام والخلوة بالأجنبية.
وتجد في كثير من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يحكم على الأفعال انطلاقا من من عواقبها ومآلاتها .
عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" كل عين
زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا و كذا ". يعني زانية .
رواه الترمذي وحسنه .
ومادام كل عقد لا يبرم إلا بإيجاب وقبول ، فإن انعقاد الفاحشة ووقوعها
يساهم فيه إيجاب من النساء بالتبرج والعري وقبول من الرجال بعدم غض البصر
والإختلاط .
ويحسن هنا أن نستفيد من التاريخ فنورد اسئناسا قصة للبداية في الجاهلية الأولى قبل أن نصل إلى النهاية عند قوم لوط :
روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال :كانت فيما بين نوح
وادريس وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر
يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحا وفي نسائهم دمامة وكان نساء السهل
صباحا - أي جميلات - وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس لعنه الله أتى رجلا من
السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه وكان يخدمه فاتخذ إبليس شيئا من مثل
الذي يزمر فيه الرعاء فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من
حوله فانتابواهم إليه يسمعون إليه واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة
فيتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن .
وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى
أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولواإليهن فنزلوا ، وظهرت الفاحشة فيهن فهو قوله
تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ).
فكان التبرج والعري والاختلاط والغناء الفاحش والخلوة طرقا لحدث واحد
:الزنى ،ولما أراد ابليس إغواء بني آدم بالفاحشة لم يؤمرهم بها وإنما
أغواهم بسلوك طرقها .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في المقابل لتزكية النفوس إلى ما يوقف
نار الشهوة ويطفئها - خصوصا في مرحلة الشباب حيث تكون نارا على نار - ،
فحث صلى الله عليه وسلم على الزواج وابتغاء الحلال فقال :" يا معشر الشباب
من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع
فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". راه البخاري ومسلم .
إذن فالإقبال على الزواج إقبال على الحياة والحفاظ عليه حفاظ على الحياة والعزوف عنه وتعسيره موت وفناء .
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا